أنشد هدبة بن خشرم :
وأبْغِـضْ إذا أَبْغَضْتَ بغضــاً مقـارباً فإنك لا تدري متى أنت راجـــعُ
وكن معدناً للخير واصفح عن الأذى فإنك راءٍ ما عمــلت وسـامعُ
وأحــبب إذا أحبـــبت حبا مقــارباً فإنك لا تدري متى أنت نـــــــــــازعُ
ولهذا قال الحسن البصري ـ رحمه الله ـ : ” أحبوا هوناً وأبغضوا هوناً فقد أفرط قوم في حب قوم فهلكوا، وأفرط قوم في بغض قوم فهلكوا ” .
كثر الطلاق بمجمتعاتنا العربية لأسباب عديدة تحدث عنها المتخصصون والمعنيون كثيرا وأسهبوا، ووجود الطلاق كظاهرة ليس مشكلة في حد ذاته بل هو حل أحيانا إذا تعذرت محاولات الإصلاح بين الزوجين واستحالت العشرة وصار الشقاق سمة لحياتهما ففراقهما في تلك الحالة ضرورة شرعية.
ولكن البعض من المطلقين ومع الأسف من يحول الطلاق لعملية بتر أسري واستئصال اجتماعي وقطعية بل وإعلان حرب بينهما من نوع جديد رغم أن بينهما أولاد تقول المطلقة (سلوى):
لقد حاولت التواصل معه بعد الطلاق للتفاهم حول أمور دراسية ونفسية تتعلق بالأولاد لكنه لا يرد على اتصالي ويكتفى بإرسال النفقة للمحكمة لدرجة أنه لم يتصل يبارك لأولاده بالعيد ولم يسلم عليهم بأول رمضان ،إن الأولاد يحتاجون وجوده ولو بسؤال تليفوني، والتربية قاسم مشترك بيننا حتى وإن انفصلنا ،أليس كلامي صحيحا؟ هل الطلاق يا سيدي يعني القطعية بهذا الشكل وبيننا أولاد يحتاجون لمشورته بل وتربيته وسؤاله؟
وعلى الجهة الأخرى يقول المطلق ( حمد) : لقد حاولت مع أم اولادي التواصل بدون أية مضايقات لها للإطمئنان على الأولاد لكنها لا ترد على اتصالي وتعطي التليفون لابنتي البالغة من العمر 5 سنوات لترد وكأننا صرنا بعد الطلاق أعداء مما انعكس على نفسية ابنتنا فهل الطلاق يعني البتر في علاقتي بها كأم أولادي؟
أعزائي القراء، إنها ظاهرة تستحق وقفة منا جميعا لتوعية المطلقين بخطورة هذه القطيعة لأن آثارها وخيمة على الأولاد حاضرا ومستقبلا ، ثم إنها تنفي احتمال العودة للحياة الزوجية لأن الجفاء يزيد عمقه يوما بعد يوم بسبب تلك القطيعة وهذا هو سر ما بدأت به مقالي من كلمات.
يا أصحاب تجربة الطلاق : آهٍ لو تدرون سعادة أبنائكم عندما يجدون التواصل باحترام بين الأبوين بلا شجار وبلا عصبية عندما يرون التفاهم بينكما على أمور حياة الأبناء نفسيا وتربويا ودراسيا ، والله إن ذلك سيخفف عليهم من صدمة الطلاق الكثير والكثير ، على الأقل سيعيشون في جو خال من المشاحنات التي مروا بها معكما أثناء الزواج .
ثم التفاهم بعد الطلاق سيمنع الظهور واللجوء للمحاكم بين الطرفين بين الحين والحين، لماذا ؟ لأتهما دوما متفاهمين ولا يذهب للمحاكم إلا المختلفون المتنازعون، إذن التواصل بالاحترام وعدم القطيعة سيبعدكما حتما عن المحاكم .
استدراك هام :
ومع نداءاتنا بعدم القطيعة بين المطلقين من أجل الأبناء فننبه هنا أننا لا نقصد بالتواصل أن يظل الطرفان ليل نهار على التليفون أو يتغزل أحدهما بالأخر أو يخرجان سويا بالأسواق والناس تعلم أنهما مطلقين. لا نقصد أبداَ بالتواصل هذه الطريقة أو تلك إنما نقصد التفاهم والتواصل المقنن المنضبط وللضرورة تواصل بلا مضايقات من طرف على حساب طرف لأنه كم من مطلقة شكت من استغلال مطلقها لوجود أولاد بينهما ويريد التحدث معها بالساعات وفي ساعات متأخرة بالليل وهي تعيش ببيت أهلها أو قد تكون متزوجة بأخر فهذا الأمر مرفوض تماما ولا نعني بالتواصل أيضا أن تستغله بعض المطلقات في إرسال الرسائل الغرامية أو الاتصال بطليقها وهو متزوج بأخرى لتكدر عليهما صفو الحياة انتقاما منه كل ذلك بحجة أنه أب لأولادها وظنا منها أنها من حقها الاتصال به بأي وقت ، هذه كلها صور مرفوضة ومخالفة للشرع .
ولا يعني التواصل كذلك أن يعطي المطلق الحق لنفسه بالبيات ببيت طليقته باليومين والأسبوع على مرأي ومسمع من الناس والجيران الذين يعرفون أنهما مطلقين بحجة أن البيت باسنه وأنه بيت أولاده ، فهذا أمر ترفضه بيئتنا وعاداتنا الشرقية العربية بل و يحذر منه الدين الحنيف لوجود شبهة كبيرة وإلا فالأفضل أن يرجعها لذمته طالما وصل الود بينهما لدرجة المبيت ببيت طليقته ألا فلتكن زوجته وليعقد عليها من جديد.
إن مسألة التواصل والتفاهم بين المطلقين ذوي الأبناء أمر في غاية الأهمية إنه سيوفر ملفات كانت ستفتح بالمحاكم وسيوفر من الجهد والمال على الطرفين الكثير والكثير وسيغرس الألفة في قلوب الأبناء وطالما هناك تواصل فلن يسمح لبعض الأبناء بالتلاعب بمشاعر أحد الأبوين أو كلاهما لمصالح للأبناء لن تقضى إلا بمبدأ (فرق تسد) ، فكم من أبناء أذكياء يستغلون خصام وقطيعة الأبوين المطلقين في تحقيق حاجتهما الشخصية من الطرفين فيلعب على الحبلين معا، والسبب في هذه المهزلة هو قطيعة المطلقين وعدم التواصل مطلقا .
أمر أخر وهو أنه من إيجابيات التواصل : أنه سيزيل أي سوء تفاهم بين الطرفين في أية كلمات أو مواقف تقع من هذا الطرف أو ذاك الطرف فكم من مشاكل تقع عندما ينقل طفل لوالده كلمة قالتها امه وهي لا تقصدها عن أهل والد الطفل مثلا فيحمل الأب عليها نفسيا بمجرد معلومة غير مؤكدة من طفل ، لكن التواصل المسبق بين الطرفين سيجعل الأب يسأل الأم ( مطلقته) ويعاتبها باحترام وهي ستخبره بالحقيقة فيزول سوء التفاهم بينهما ، اتذكر يوما جاء فيه الأب للمحكمة يطلب إسقاط الحضانة عن الأم وضم الأولاد له فلما سألته ما سبب طلبك ؟ قال : لأنها تخرج بأولادي مع رجل غريب حسب إفادة ابني الصغير ولما أحضرنا الحاضنة وسألناها اتضح أنها تخرج بالأولاد بصحبة خالها ولأن الطفل صغير فلم ينقل لأبيه الصورة صحيحة ولأن هناك قطيعة بين المطلقين وصلت القضية للمحاكم وظل الموضوع قرابة سنة بالمحاكم مع أنه لو كان هناك عدم قطيعة كان الموضوع سيحل بمكالمة تليفونية عتابية راقية بينهما دون اللجوء للمحاكم .
اقرأي أيضا:
قصة واقعية: زوجات متعطشات وأزواج يمتنعون
لا غنى عن زيارة القاهرة
قصة واقعية: الطلاق لا يعني القطيعة أنا زهرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق